ينتقد الكاتب الأمريكي-المصري مصطفى بايومي سياسة تجريد الفلسطينيّين من إنسانيّتهم وتبرير قتلهم، الأمر الذي تجلّى في تصريحات غالانت. يقول: «اسمحوا لنا بأن نكون واضحين: لغة غالانت ليست لغة ردع بل لغة إبادة للأجيال. كيف يمكن الدفاع عن مثل هذه اللغة والسياسة القائمة على العقاب الجماعي لجميع سكّان قطاع غزّة؟ إسرائيل اليوم تلجأ إلى عنف غير مسبوق، مع الاعتماد على فكر التجريد من الإنسانيّة، ضدّ أناس عُزّل».
یمكن وضع تصریحات غالانت في التاسع من أكتوبر عن الفلسطينيّين في إطار سياسة «إبادة الإنسان الفلسطينيّ»، كما ينبغي عرضها أمام الرأي العام العالمي. فعندما يشكّك الرأي العام في قتل هؤلاء البشر بأفظع الأساليب، لن يقتصر الأمر على ألّا يشعروا بالألم تجاه ارتكاب المجازر بحقّ هؤلاء الأفراد، بل سيرّحبون بهذا أيضاً!
في هذا الشأن، يقول المحلّل والصحفي اللبناني فيدل سبيتي: «عندما تشبّه عدوّك بحيوان يشبه الإنسان، فإنّك تُسقط عنه صفة الإنسانيّة في واقع الأمر، ما يجعل الجنود الذين يواجهون هذا العدو لا يشعرون بذرّة من تأنيب الضمير عندما يقتلون عسكريّيه ومدنيّيه. وعندما تجعل الطرف المقابل في مكانة أحقر من الإنسان، تبعث بهذه الرسالة للرأي العام بأن موته فضلاً عن أنّه غير مؤلم مفيدٌ للبشريّة أيضاً».
يبذل الكيان الصهيوني عبر إستراتيجيّة «تجريد الفلسطينيّين من الإنسانيّة» أقصى جهوده من أجل إضفاء الشرعيّة على جرائمه في غزّة، وجعل الرأي العام العالمي يؤيّده في ارتكاب هذه الجرائم أو يلتزم الصّمت على الأقل، لكن انطلاق المسيرات الضخمة ضدّ تل أبيب ودعماً لفلسطين في غالبية نقاط العالم ومنذ بدأت الهجمات الشاملة للصهاينة على قطاع غزّة يشكّل شاهداً على إخفاق «تجريد الفلسطينيّين من الإنسانيّة» على مستوى العالم.
ويقول الباحث الفرنسي إيكولاس ماريوت في هذا الصّدد: «إنّ ما يلعب دوراً رئيسيّاً وأساسيّاً في أيّ نوع من أنواع المجازر الجمعيّة أو الإبادة هو تجريد الطرف المقابل من الإنسانيّة. في هذه العمليّة، يُقلّل الجلّادون من شأن ومنزلة ضحاياهم ويرونهم أدنى من الإنسان حتى يتمكّنوا من تطهيرهم عرقيّاً».
تنشر الباحثة في الشؤون التاريخيّة في جامعة «جورج تاون» الأمريكيّة سمر سعيد مقالة تشير فيه إلى أهداف منهجيّة «تجريد الفلسطينيّين من الإنسانيّة». تقول: «الهدف الرئيسي والأساسي من مشروع تجريد الفلسطينيّين من الإنسانيّة هو تبرير إبادة الأجيال في غزّة، وتقديم حماس على أنّها السبب وراء معاناة وآلام الشعب الفلسطيني في هذا القطاع». وتُكمل الحديث عن دعم وسائل الإعلام الغربيّة لسياسة الصهاينة الرامية إلى «التجريد من الإنسانيّة»: «لا تُبرّئ وسائل الإعلام هذه إسرائيل من أيّ مسؤوليّة تجاه الجرائم التي ترتكبها فحسب بل تُقدّمها أيضاً كضحيّة. إنّهم من أجل إنجاح سياسة تجريد الفلسطينيّين من الإنسانيّة لا يشيرون أبداً إلى مقاومة الشعب الفلسطيني قوّةً استعماريّةً تملك السلاح النووي أيضاً».
إنّ مقارنة الشعب الفلسطيني العظيم وتشبيهه في حسابات شبكات التواصل التابعة للصهاينة بالحيوان يمثّل جانباً من اعتقادهم ومنهجهم القائم على تجريد هذا الشعب من إنسانيّته. یجب عدم نسيان كون «التجريد من الإنسانيّة» منهجاً سائداً لديهم. لقد بذل الكيان أقصى جهوده من أجل تقديم الفلسطينيّين بدائيين، فلجأ إلى الوسائل المتاحة والإعلاميّة على وجه الخصوص. الصهاينة يجعلون هذا مسار إستراتيجيّتهم من أجل إضفاء الشرعيّة على إبادة الفلسطينيّين. لهذا، أشار الإمام الخامنئي خلال جولته في معرض إنجازات القوّة الجو-فضائيّة في «حرس الثورة الإسلاميّة» إلى عنصريّة الصهاينة وداعميهم وشدّد بالقول: «يرى الصهاينة أنفسهم عرقاً متفوّقاً ويعدّون آحاد البشريّة من عرق منحط وهذا ما يجعلهم لا يشعرون بتأنيب الضمير عندما يقتلون آلافاً من الأطفال».
تُباد أجيال الفلسطينيّين وتُرتكب العشرات من الجرائم الأخرى بحقّهم، تحت ذريعة الصهاينة أنهم العرق المتفوّق. ولا بدّ هنا من التفكير في إمكانيّة عقد معاهدة سلام والعيش مع غير الصهاينة بوصف الواحد منهم حقيراً ومجرّداً من الإنسانيّة، وهل هو مستعدّ للحوار مع الآخرين؟